الأوراق المفقودة من الخميس 27/4/2006 إلى الثلاثاء 6/2/2007 : النافذة

نافذة ضيقة كان ينظر بها إلى العالم حتى فى يوم أغلقتها البلدية عليه فأصبح محبوساً عن العالم الخارجى لا يدرى أو يسمع اى شىء
صديقه نصحه بأن يتقدم بشكوى إلى البلدية ليفتحوا له النافذة لكنه رفض ليس خوفاً من البلدية وليس عدم أمل فى أن يفشل لكنه رفض لعدم رغبته أن يكتشف احد سر نافذته
هذه النافذة قد ورثها عن ابيه من جده وكان مقتنع أن الحقائق كلها يمكن أن تراها من خلال النافذة
حتى المستقبل يمكن أن تكتشفه من خلال هذه النافذه بمجرد الجلوس والمراقبة وترجمة ما يقال من خلالها
بعد غلق النافذة بفترة ذهب إليه صديقه ليقنعه بالمجىء معه ليسيروا قليلاً فى المدينة وهذا بسبب حالة الحزن التى أصابته بعد حادثة النافذة
لم يرفض طلبه كما لم يتقبله فوراً
نزلا معاً وفيما هما يسيران قابلهم فتى صغير نظر لهم فى دهشة ثم قال لهم : ماذا تفعلان هنا لقد أتنهى عصر المعجزات أخلعوا ما ترتدونه فوق رؤوسكم وأجعلوا الشمس تنظر إلى وجوهكم حتى تروا الحياة كما ينبغى
فقام صاحب النافذة فوراً صارخاً فى الفتى : الحقيقة عندى من خلال النافذة التى أغلقوها لقد كنت أمتلك الحقيقة وهم أنتزعوها منى
فسئله الفتى : لماذا ترتدى هذا البرقع إذن؟
أجابه : حتى لا يرانى الأخرين فيعلموا انى أعرف الحقيقه
نظر له بعد أقتناع وقال : كل إنسان لديه حقيقته التى تسعده وتجعله ينام ليلاً مستريح
حقيقتك لا تعنى أحد سواك أترك نفسك للشمس وسوف تفهم ... هذه هى حقيقتى أنا
وتركهم راحلاً

نظرا إلى بعضهم فى حيرة لم يفهما ما قاله الفتى الصغير لقد أفسد عليهم ما كانوا يريدون أن يفعلوه
أكملا سيرهم وهم يفكرون فيما قيل حتى قابلا قتاة واقفة على الرصيف فما أن أقتربا حتى قالت : أنا أعرفك أنت من تجلس طوال الوقت أمام النافذة الصغيرة فى المبنى القديم بجانب القصر المهحور ... اليس كذلك؟
- نعم أنا أعرفك لقد رأيتك كثيراً انت الفتاة التى تعطى كل يوم الخبز للمتسول أمام القصر لقد عرفت عنك الطيبة أنت ملاك رحيم وُجد على الأرض من أجل المساكين
لقد أستنتجت انك تعملين طبيبة اليس كذلك؟
-لا ... أنا لست بطبيبة
-إذاً ما عملك؟
-أنا امنح الحقيقة المستورة للرجال المحرومين من الخيال مقابل المال ... يمكن أعتبارى طبيبة للخيال المحروم و المريض
-كيف هذا؟ أنت طبيبة وتمنحى الخبز للمتسولين لا يمكن أن تعملى فى هذه المهنة
-لما لا؟هل معنى عملى هذا انى لست إنسانة ولا أشعر بمن هم حولى بالعكس لا أحد يعلم حقيقتى أو حقيقة من هم مثلى أنتم بشر تتعاملون بالمظاهر فقط أما ما فى
الداخل فلا تفعلون به شيئاً لأنه ليس له قيمة فى عيونكم المغطاه كعادة الجميع تخفون أبصاركم عن الحقيقة المجردة ولا تهتموا سوى بالقشور التى تتساقط مع هطول الأمطار ... أرحل من هنا أنت مثلهم لقد أعتقدتك مختلفاً
وللوقت رحلت الفتاة
نظر صاحب النافذة لصديقه وقال: لقد تغيرت حياتى مرتين مرة عندما ورثت النافذة ومرة عندما سُرقت منى قبل أن تسرق كان لدى الحقيقة كاملة أما بعد سرقتها فأصبح لدى الحقيقة التى لن يعرفها أحد سوف أذهب الأن لأنظر فى حياتى
وأنتزع هذا البرقع الذى يرتديه ورحل مسرعاً
بعد فترة زاره صديقه فوجد أنه قد غير الوان الحجرة وأستطاع أن يفتح النافذة مرة أخرى وفوقها كتب لوحة :
هنا ترقد حقيقة عمر لم أعيشه وخارجها حقيقة حياة أحاول أن اكونها
كل إنسان حر فى معتقداته وموقفه
كل إنسان بأختياراته يحدد كيانه وماسوف يكونه
يحدد مستقبل لا يعرفه ويرسم تاريخ لم يعشه بعد
يتحمله حتى نهاية الزمن قد يندم عليه لكن فى قرارة نفسه يعلم أنه فد تم بأرادته دون إجبار وهذا ما يعزيه حتى نهاية ساعته
أما من كان يوماً من الذين لا دخل لهم
فى حياتهم أو تكوينها
فهم على النقيض يلعنوا كل ما ليس له صله بما يحدث لهم ... قدر ... حظ ... مصير ... وبعضهم من المؤمنين يلقون أمرهم للخالق

معتبرين أن كل هذا مكتوب من قبل ميلادهم وأن ما يحدث سوف يحدث حتى إن قاموا هم بتغييره وهى كلها أراء لا يمكن نفيها أو تصديقها
لكن ما أراه ببساطة هو : ما المتعة فى مشاهدة فيلم تعلم بدايته ونهايته وكل الأحداث الدقيقة التى سوف تحدث فيه
ومن جانب أخر أنا أرفض أن أكون غير إنسان حر

وحر هنا تعنى الحرية التامة فى أن أقوم بما أريده وليس مجرد سكريبت أقوم بتمثيله دون أن أعلم
غيرى قد يسعد بهذا وبالعكس يقوم بكل سعادة بقبول كل هذا والتشدق به فى كل مكان سعيداً بكون أن كل ما يحدث سبق وتم أعداده وانه مجرد منفذ لكل هذا بدقه واتقان وفى النهاية يقولوا له هنيئاً لك يا سيدنا
كل إنسان له حقيقته وبحقيقته يعيش ويكون ولكل إنسان حرية التعبير والتبشير بهذه الحقيقة
وهذا يكفى

Comments

Popular Posts